بقلم: سماح خميلي
أثارت الإصلاحات التربوية التي شرع في تطبيق جزء منها خلال هذا الموسم الدراسي، الكثير من الإحتجاجات وإن جاءت باردة مقارنة مع حجم وخطورة القضية التي نحن بصددها، إذ مررت هذه الإصلاحات بمنشور وزاري صدر عن وزارة بن بوزيد وزير التربية ليلغي بهذا أمرا رئاسيا صدر منذ أكثر من 28 سنة، وهذا من الناحية الشكلية القانونية مرفوض كما يؤكد العارفون ناهيك عن محتوى الإصلاح الذي وصف بأنه تغريبي ويستهدف ضرب الثوابت الوطنية ليعصف بالمنظومة التربوية برمتها.
وإن كان ما يزال مجهولا ولم يطرح للنقاش، ولتظهر بعض بوادره بالعودة إلى نظام التعليم الإبتدائي والمتوسط مع تغيير شامل في المنهاج والكتاب المدرسي، مع أن قضايا المنظومة التربوية وهذا ما هو متعارف عليه عالميا أكبر من أن تناقش على مستوى لجنة أو جلسات برلمانية وإنما يتم مناقشتها وتقييمها من خلال استفتاء عام واضح يلغي الكولسة التي باتت تشكل علامات استفهام كبرى في ملف المنظومة التربوية, وككل موسم دراسي فإن فوضى توزيع الكتاب ولغز اختفائه من المدارس تشكل واجهة سنوية تشل القطاع بضعة أيام أو أسابيع يتمكن فيها ممارسوها من إقحام الكتاب المدرسي في السوق التي لا لون لها بأسعار تفوق السعر المحدد أضعافا مضاعفة، مع اختفاء كلي لبعض العناوين من المؤسسات بالرغم من وجودها في مراكز التوزيع ليبرر كل هذا بتبريرات بالكاد يمكن استيعابها أو بالأحرى ابتلاعها.
وإن كانت مشكلة الكتاب هذا الموسم وإضافة إلى المشاكل القديمة المعروفة أخذت أبعادا أخرى بتطبيق سياسة الإصلاحات التي وصفها بن بوزيد بأنها ستكون جذرية وتواكب العصر وتمكن الجزائري ورجل المستقبل من التموقع في عالم متغير باستمرار، ويواجه الكتاب المدرسي الجديد مشاكل عديدة بالرغم من حجم الغلاف المالي المخصص لطباعته والذي تجاوزت قيمته 550 مليار سنتيم لطبع 52.244,139 نسخة منها 12مليون نسخة جديدة تخص العناوين الجديدة للسنة الأولى ابتدائي والسنة الأولى متوسط المعنيين مباشرة بالإصلاحات وخاصة بعد منح صفقات لدور نشر خاصة حيث سيطرح تعدد الدور مسائل كثيرة أهمها الشكل والسعر وهذا ما أثبته تنوع الأسعار بالنسبة لكتاب واحد فكتاب القراءة مثلا بالنسبة للسنة الأولى ابتدائي يصل إلى 250 دينار جزائري لدى الشهاب بينما حددت دار القصبة سعرها بـ 240 في حين قدمته دار سيديا بـ 160 دينار وعلى الأولياء الإختيار وإن استدركت الوزارة هذا الأمر باستحداث صيغة الكراء للكتب المدرسية بتحديد سعر لكل مرحلة دراسية كحل من الحلول الشكلية التي تقدم جاهزة في هذا الوطن، وإن كان محتوى الكتاب هو أدعى للنقاش خاصة مع المختصين الذين اعتذر معظمهم عن الإدلاء بأي تصريحات قبل الإطلاع الكامل على المناهج حتى لانقع في فخ سبق الأحداث كما يقولون، والملفت للإنتباه أن أهم قضايا الإصلاح شملت مادة الرياضيات واللغة العربية والتربية الإسلامية بحذف بعض الآيات وتعديل دروس على مقاس العقول المستغربة، ويبقى أبناؤنا هم الضحايا بالدرجة الأولى إن لم نستدرك الوضع بمواقف حاسمة تحفظ لنا جميعا بعض ماتبقى لنا من ماء وجه.
أكذوبة الترميز العالمي
هذا الترميز المبرر من طرف الوزارة بوصفه عالميا نجد أن الكثير من المختصين يعتبرونه إقحاما للغة الفرنسية في غير محلهالترميز يخضع عادة للموروث الثقافي اللغوي لكل دولة فلماذا لانستعمل مثلا رموزا يابانية أو روسية أو صينية إن لم يكن الهدف الوحيد من كل هذا فرنسة المنظومة التربويالعالمية بريئة من الفرنسية التي أثبتت فشلها في عقر دارها ومصيبتنا أننا ندافع عنها أكثر من الفرنسيين أنفسهم تنفيذا لقرارات مجلس الوزراء المنعقد بتاريخ 30 أفريل 2002 حول الشروع في التطبيق التدريجي لإصلاح المنظومة التربوية وزعت عدة منشورات تتضمن التدابير العلمية لتطبيق استعمال الترميز العالمي على مستوى السنوات الأخرى من مراحل التعليم الإبتدائي والمتوسط والثانوي عند تطبيق المناهج الجديدة لهذه المستويات في السنوات اللاحقة، وقد بررت الوزارة استعمال هذا الترميز في المنشور رقم ثمانية بالقول إن إدراج التكنولوجيات الجديدة للإتصال التي تستعمل الترميز العالمي في البرامج بدء من التعليم الإبتدائي من جهة وضرورة تفتح المدرسة على العالم من جهة أخرى هي من الأسباب التي يمكن أن تفسر قرار الإدراج التدريجي للترميز العالمي في البرامج، وحسب هذا المنشور فإن مالم يتغير أن التدريس يتم باللغة العربية، ولذلك فقراءة وكتابة النصوص تكون من اليمين إلى اليسار وكذا كتابة وقراءة الأرقام العربية والأعداد، وأيضا القراءة بالعربية لوحدات قياس المقادير، أما ماتغير فهو رموز التعيين بحيث تكون بالحروف اللاتينية وكتابة وقراءة العبارات الرياضية الرمزية "قوانين، عمليات، متساويات" تكون من اليسار إلى اليمين والترميزات المرتبطة بوحدات قياس المقادير تكون بحروف لاتينية ويمكن الترميز للأشكال الهندسية بحروف لاتينية كبيرة، وهكذا تكون القراءة الجديدة مثلا لـ أ+ب =ج هي A+B=C ونطقا تقرأ كالتالي"A زائد B تساويc " هذا الترميز المبرر من طرف الوزارة بوصفه عالميا نجد أن الكثير من المختصين يعتبرونه إقحاما للغة الفرنسية في غير محله لأن الترميز يخضع عادة للموروث الثقافي اللغوي لكل دولة، فلماذا لانستعمل مثلا رموزا يابانية أو روسية أو صينية إن لم يكن الهدف الوحيد من كل هذا فرنسة المنظومة التربوية فأول الغيث قطر ثم ينهمر بهذا بدأ الأستاذ عبد السلام بن بلاط، أستاذ جامعي في الرياضيات قوله حول موضوع الترميز والإصلاح وأضاف قائلا? ?لايمكن الحديث عن الترميز منعزلا عما يجول في مطابخ وزارة التربية وغيرها ممن يعدون العدة للقضاء نهائيا على كل مايربطنا بالعربية وبثوابتنا الوطنية، بحيث يقع التلميذ في فوضى عارمة لايتحملها دماغه الصغير، وكما هو معروف فإن مادة الرياضيات كما يراها أكثر التلاميذ صعبة وليست في المتناول وأغلبهم يجاهد ويتعب ليتوصل إلى فهم درس في الرياضيات، هذا والرياضيات تقرأ وتكتب باللغة العربية وتشرح أيضا فما بالك وقد أخلطت المادة بلغة ثانية بدعوى مواكبة العالمية والعالمية بريئة من الفرنسية التي أثبتت فشلها في عقر دارها? مصيبتنا أننا ندافع عنها أكثر من الفرنسيين أنفسهم، وهكذا فإن إزدواجية اللغة تكرس الضعف أكثر وتزيد من تعقيد المادة في نظر التلاميذ أكثر فأكثر وبدلا من أن نطور قدرات أبنائنا الرياضية سنساهم في تخلفها، ليصادف معاناة يومية مردها كتابة النص بالعربية والمعادلات الرياضية برموز فرنسية فيقع في لحظة تشتت ذهنية ليست بالهينة كما يراها القائمون على الأمر التربوي، وهذا سيسهم في ترسيخ التخلف بدل التقدم العلمي بصناعة جيل لاهو جزائري عربي ولاهو فرنسي.
ويرى محمد بيطام أستاذ رياضيات ثانوي أن مسألة الرموز العالمية التي أدرجت في الإصلاحات التربوية مغالطة كبرى يجب التنبه إلى مخاطرها قبل أن يمرر ماهو أكثر من ذلك ويقول: "سأتحدث بصفتي وليا وأستاذا مختصا وهذا يمنحني امتيازين، فلكوني ولي أمر فالخوف على أبنائي ومستقبلهم هو من يدفعني للمساهمة ولو بالرأي في إثراء الموضوع عساه يلقى آذانا صاغية تكف عن غيها وعبثها المعلن بأبنائنا وإلا فإن انفجارات اجتماعية ستعصف بوزارة التربية إن لم تتراجع عن تطبيق برنامج الإصلاحات وإن خسرت الملايير فخسارة مستقبل أبنائنا لاتعوضها ملاييرهم التي تذهب عادة في غير محلها الصحيح وهذا ليس محل حديثنا الساعة، أما الامتياز الثاني فلكوني مختص وأدرك خلال ثلاثين سنة من التعليم أن المشكلة ليست في حروف لاتينية أو عربية وإنما المشكلة أعمق بكثير من كل هذا، لأنه ليس من السهل أن تكون أستاذ رياضيات ناجح ولهذه المادة أهميتها الإستراتيجية لدرجة أن "إيزنهاور" صرح قائلا: "الرياضيات هي خط الدفاع الأول في أمريكا" وهنا ببساطة نستنتج لماذا استهدفت الرياضيات دون غيرها من المواد حتى نصنع جيلا مفرغا لايساهم في التطور العلمي، ونكتشف خدعة الترميز العالمي من بدايتها وإن كان هناك من يصر على أنها إصلاحات ناجعة، فلسنا الدولة الوحيدة التي يعاني أكثر تلامذتها من صعوبة فهم هذه المادة، وقد سعت كل دول العالم إلى تحسين التحصيل الرياضي بتحسين طرق التدريس والمناهج وكذا الوسائل، ولم تسع إلى إبدال لغتها بلغة أخرى عساها تكون أنجع لفهم الرياضيات المشكلة الواقعة في الجزائر أن هناك من يعلق فشل الأشخاص والوسائل والسياسات على استخدام اللغة العربية وكأن الدولة الإفريقية التي جعلت من الفرنسية لغة رسمية تواكب التطور، وقد أثبت واقعها عكس ذلك تماما مما يعني أن المشكل اللغوي لا أساس له وأن الترميز العالمي مجرد نكتة سخيفة في عملية الإصلاح التربوي، ومن أكثر المخاطر وقعا على ذهن ونفس التلميذ تشتته بين لغتين في مادة واحدة، وبما أن الرمز هو الأهم، والذي هو طبعا بالفرنسية فيسضطر التلميذ تلقائيا إلى التخلي عن العربية حتى لايقع الخلط في ذهنه وهكذا يصل دعاة التغريب إلى أهدافهم دون احتساب النتائج الخطيرة التي قد تعصف بأجيال آتية ذنبها أننا أولياؤهم الذين لم نقدم لهم شيئا يشكروننا عليه.
أما السيد أحميدة بوطالب مفتش تربوي في التعليم الإبتدائي فيقول:"كنا نود لو أن عملية الإصلاحات كانت مفتوحة لمشاركة المختصين بإثرائها ومناقشتها من معلمين وأساتذة ومفتشين حتى تكون لها المصداقية الكاملة ولانقع فيما وقعنا فيه الآن فالعالم من حولنا يتطور بتسارع ملحوظ ونحن هنا مازلنا نستجدي المسؤولين أن يمنحونا فرصة إضافة رصيدنا من الخبرة وآراءنا في نفع المنظومة التربوية وهو من حقنا أصلا، لكن هُمّش الجميع لتمرر الإصلاحات وإن كنت أتحفظ بوصفها بهذا الوصف وتمس أدق المواد وأهمها على الإطلاق وهي اللغة العربية والرياضيات لتجرد العربية من قواعدها وتضاف للرياضيات رموزا لاتبسطها بقدر ما تزيد من تعقيدها وهذا ما أجمع عليه المختصون وقد قمنا عام 2002 بعقد ملتقى وطني دام ثلاثة أيام لمناقشة هذا الأمر وقد أجمع المشاركون جميعا على رفضهم لهذه الطريقة الجديدة، لكون الطريقة القديمة تتم بشكل سليم لا تعتريه أي عقبة لغوية أو ترميزية، وأيضا فالكتابة الحالية للرياضيات دقيقة وواضحة وإضافة رموز تعقدها وتجعلها مبهمة وهذا لايفيد المتمدرس في شيء ولايحسن مستواه، وقد توصلوا أيضا لكون هذا النوع من الكتابة الجديدة للرياضيات خطير على البناء الرياضي الذي يعتمد أساسا على الدقة والمرونة، ورغم هذه التحذيرات وهذا الرفض إلا أن بن زاغو كان أقوى من كل التيارات نظرا لدعم داخلي وخارجي لا أحد يستطيع إنكاره لضرب الثوابت باسم الإصلاحات، على دعاة الإصلاح فعلا أن يتخذوا موقفا جماعيا حاسما للتصدي وإلا فإننا سنخسر الكثير من حيث لاندري.
الإصلاحات التربوية تضرب بعرش العربية
قريفو وبن زاغو هما في حقيقة مساعيهما وجهان لعملة التغريب أو بأكثر دقة الفرنسة والإنسلاخ من كل ماهو إسلامي عروبي ولم تقتصر أفكارهم ومن معهم على دوائرهم المنغلقة على الثوابت الجزائرية والمفتوحة جدا على كل مايأتي من الضفة الأخرى وتحديدا الراعي الرسمي فرنسا، بل نقلوها إلى عصب الأمة وعمودها الفقري وسعوا وهاهم يسعون إلى تنفيذ مخططاتهم الخبيثة بدعوى الإصلاح ومسايرة العصر ومجاراة الدول المتقدمة، ف?ريفو تسعى إلى إدخال العامية في التعليم بقولها أن الطفل يحتاج إلى التواصل مع مجتمعه وبتلقيه العربية الفصحى ينقطع هذا التواصل ويحدث له شرخ لغوي يصعب التحكم فيه?? فاقترحت كتابها المدرسي المليء بالعامية والتي بدأت بوادره مع بداية الإصلاحات حيث أن الطائرة في كتاب اللغة العربية للسنة الأولى ابتدائي تحولت إلى ?طَيَّارَة?ٍ وكلمة متسخة في كتاب السنة الثالثة أصبحت "موسخة"، ليبدأ اقحام العامية بالتدريج إلى أن يتم ترسيمها كلغة وطنية، وأيضا تجويف اللغة العربية بإخلائها من القواعد والنحو بحيث جاء في الصفحة الرابعة من كتاب اللغة في السنة الأولى ابتدائي مجموعة إرشادات للمعلم جاء فيها ?مراعاة التخلص التدريجي من الشكل، الحركات مع حروف المد، الضمائر، أسماء الإشارة، الأسماء الموصولة وبعض حروف المعاني أما في السنة الأولى متوسط فلحد كتابة هذه الأسطر لم يفهم الأساتذة بعد ماهو مطلوب بالضبط منهم فقد تحولت اللغة العربية إلى مجرد حصة للقراءة حسب المنهاج الجديد، مع محاولة إضافة وفرض الأمازيغية بدء من المرحلة الإبتدائية بصفة إجبارية وإن بدأوا بجس النبض عن طريق إدخال أناشيد بالأمازيغية في السنة الأولى ابتدائي ولانعرف ماتخبئه السنوات الآتية من مفاجآت وهكذا يضيع الطفل بين أكثر من لهجة ولغة لتقحم اللغة الفرنسية في السنة الثانية من التعليم الإبتدائي محاصرةً للعربية وضربا لها وليس لاعتبار مصلحة الطفل كما يدعون فقد ثبت علميا ونفسيا أن السن المناسبة لإضافة لغة ثانية للطفل هي سن العاشرة كأحسن سن ولابأس من الثامنة وإن كان إدخال اللغة الفرنسية في هذه المرحلة العمرية وكذا الدراسية يتطلب حسب رأي المختصين 12000معلم جديد دون الحديث عن تكاليف الكتب، مما يستبعد تطبيق هذا البند بالذات لعجز الوزارة ماليا، وإن كان يتوقع توفير دعم لها من طرف الرعاة الرسميين لتُشيع اللغة العربية في الجزائر إلى مثواها الذي لانستطيع التنبؤ بكونه الأخير، لأن هذا متوقف على دعاة المدرسة الأصيلة، والمتفتحة وكل الأطراف المعنيين الذين أحدثت جعجعتهم فوضى دون نتائج واضحة.
المعلم يغرق في دوامة..
مجاهيل الإصلاحات
يبدو أن سياسة الإصلاحات قد تجاوزت كل أصول التجديد العلمية لتدارك الخلل القائم في المنظومة التربوية، وبدل التكفل الفعلي بالأوضاع المزرية للأساتذة وكذا التهيئة الجيدة للمدارس ومؤسسات التعليم فإنها توجهت نحو المنهاج لتفصيله على مقاس ماجلب من بقايا أفكار المجتمع المقابل في الضفة الأخرى، لأنه ماجدوى الإصلاحات والأساتذة والمعلمون تتلقاهم هراوات الشرطة عند أول احتجاج سلمي لهم عن معاناتهم التي دامت بدوام انتمائهم إلى هذا القطاع المغلوب على أمره رغم أنه صاحب أكبر ميزانية من طرف الدولة.
المخزي أن تلك الهراوات يحملها تلامذة سابقون، كان الفضل لأساتذتهم بأن أوصلوهم إلى تلك المراكز وها هم يردون الجميل على طريقة الدولة العصرية والحضارة المعاصرة لهذه الأمة؟؟
فيقول السيد كمال بدار معلم في الطور الأول بمنطقة صدوقة ببجاية ناحية الشمال الشرقي :"إن هذه الإصلاحات أوقعتنا فعلا في مأزق فأنا مثلا أمارس هذه المهنة منذ عشرين سنة أي مع بداية المدرسة الأساسية، عشرون سنة كاملة وأنا وكل المعلمين الذين إلتحقوا في نفس الفترة أو قبل أو بعد لايمكن التغيير فجأة في أسلوبهم في التعليم والتأقلم في زمن قياسي مع هذه الإصلاحات التي لم نهيأ لها لأنه من المفروض ومع بداية التفكير وتطبيق هذه الإصلاحات التي بدأت منذ أفريل أن تقوم المدارس بانتقاء معلمين ثم تقيم لهم دورات تكوينية تربصية وتطلعهم على كل المستجدات، وليس كما حدث لنا الآن لدرجة أن أكثر المعلمين تهربوا من السنة الأولى ابتدائي مخافة أن يساهموا في ضياع التلاميذ، وما يلفت الإنتباه حجم الكتب المقررة على السنة الأولى، والتي تجاوزت الصفحات فيها الحد المعقول لطفل في السنة الأولى، وكذا تعددها فهناك كتاب اللغة العربية والتربية الإسلامية والعلوم والتكنولوجية إضافة إلى كراس القسم الذي طبع على شكل كتاب، فكيف يمكن لهذا التلميذ عديم الخبرة وبسيط الفكر أن يستوعب كل هذا، أذكر أن التلفزة الجزائرية في بداية التسعينات قامت ضمن حصة لها باستضافة قريفو الداعية للتغريب وعلي بن محمد صاحب المدرسة الأصيلة وفي خلال هذا اللقاء قاموا بسؤال تلميذ في السنة التاسعة إن كانت الكتب والمقرر يرهقه أم لا فأجاب أنه متعب جدا، لكبر حجمه فمابالنا ونحن نقدم كل هذا لطفل صغير، والله إنها مهزلة حقيقية ستكون نتائجها وخيمة فالمعلم غرق في متاهات ومن المؤكد أن التلميذ سيغرق معه لتضيع بعد ذلك المنظومة التربوية.
لتضيف المعلمة قاسمي حورية ولديها خبرة مماثلة في التعليم أنه لايمكن مخاطبة طفل صغير بهذا الحجم الكبير الهائل من الكتب والمقررات التي تؤثر على صحته الجسدية والنفسية لدرجة أن مستوى تفاهة الإصلاحات جعلت من صنع كريمة ?الفلان? مشروعا تكنولوجيا علميا مقررا في السنة الأولى، وفي كتاب التكنولوجيا والعلوم والله إنه عبث بالتلميذ ومعلمه على حد سواء ولإلغاء سرعة البديهة لدى التلميذ والإستخفاف بقدراته الحسابية وتعويده على عدم استخدام عقله، فإن أول مايمكن التعرف عليه في الرياضيات هي الآلة الحاسبة في برنامج الإصلاحات هذا أما الحجم الساعي وتقسيم المواد التي تصل إلى ثمانية بنشاطاتها ومحاورها المختلفة فأمر يحتاج وحده إلى ملف كامل ولنا الحق أن نتساءل ماذا تريدون من أبنائنا بالضبط؟?، لأنه على الجميع أخذ زمام المبادرة قبل فوات الأوان.
مستقبل التلاميذ مرهون بتوحد أفكار فدرالية الأولياء
تحولت الفدرالية الوطنية لجمعيات أولياء التلاميذ بفروعها الولائية إلى تشكيلة متناقضة من الأولياء، فهناك الأمي والجاهل والمتوسط الثقافة والجامعي، وبغض النظر عن مستوياتهم التعليمية فإن أفكارهم وتوجهاتهم أيضا تشكل عائقا يحول مابين توحد قراراتهم لتتحول الفدرالية إلى حلبة صراعات مفتوحة ضاعت جهود الأعضاء فيها ومحاولات البعض منهم للوقوف في وجه التغريبيين الذين يتطاولون في كل مرة على الثوابت الوطنية وينالون منها كلما وجدوا الفرصة مواتية لضربها في الصميم، فنظرة الولي صاحب الإتجاه الإسلامي أو الوطني مختلفة تماما عن ولي آخر أفكاره مستغربة أو مفرنسة مثلا، وهكذا فإن مشروع الإصلاحات بسلبياته غير المحدودة وإيجابياته المعدودة مرهون بتوحد أفكار الأولياء حوله بغض النظر عن التوجهات حتى يكون مستقبل الأبناء أهم من صراعات خاصة كان من المفروض تجاهلها أمام ماسينتظر أبناءنا من تلاعبات بمصيرهم، لأنه عندما تصبح الجهة الوصية على التلاميذ مجرد أداة للتصفيق والمساندة المطلقة لكل ماهو صادر من فوق ويصبح القائم الأول على الدفاع عن حقوق التلاميذ مهللا ومكبرا ومباركا أول للبريكولاج الإصلاحي، فقل على مستقبل أبنائنا السلام، فقد أكد الحاج بشير دلالو رئيس الفدرالية الوطنية لجمعيات أولياء التلاميذ بأنه ـ وهو يعني الفدرالية ـ مع الإصلاحات مهما كان نوعها؟؟
ليعلق واحد من أعضاء الفدرالية الوطنية لكن بصفته أمينا عاما للفرع الولائي بباتنة شرق الجزائر وهو الأستاذ أكساس عمر:"الإصلاحات في حقيقة أمرها ليست قضية خاصة بالمنظومة التربوية فقط وإنما خرجت من هذا الإطار لتدخل معترك السياسة فالخوف ليس من الرمزية في الرياضيات ولامن تدريس اللغة العربية وإنما الخوف الأكبر من البعد السياسي أو الخلفية المستهدفة من وراء كل هذا ورغم أننا جهة معنية جدا إلا أننا لم نطلع على مشروع الإصلاحات بالتفصيل فهو يمرر كالأشياء المسروقة بحذر شديد مخافة اكتشاف مايحتويه من مهازل، لكن ماهو واضح محاولة فرنسة المناهج وهذا معناه إعادة تحطيم مابني خلال أربعين سنة من التعريب وبدل أن نخرج بنتائج مرضية سيجعلوننا نرجع إلى الخلف وهذا أسلوب غير سليم فالمناهج التربوية التي لاتنطلق من الهوية الوطنية والثقافة والمبادئ الإسلامية سرعان ماتعلن فشلها، والرأي السليم أن تخضع مسألة اللغة الأجنبية للخيارات فمن أراد أن يدرس الفرنسية فله الفرنسية، ومن أراد الإنجليزية فله ذلك أو الإسبانية أو غير ذلك، المهم مبدأ الخيار هو الذي يجب أن يسود حتى لانقع في فرض أمور قد تشكل فيما بعد صدامات نحن في غنى عنها، وعيب هذه الإصلاحات أنها بدأت من الأخير أي من المنهاج وتجاهلت تماما تكوين الإطار والوسائل والهياكل وهذا يعني أن مدة صلاحيتها على حسب تقديري لن تزيد على عام أو بضعة أشهر، والمشكلة التي نقع فيها كفدرالية أن الرؤى غير متماثلة في التشكيلة وهذا يصعب نوعا ما مهمتنا وإن كانت مصلحة التلاميذ ما يجمعنا فالمدرسة مهمة جدا ويجب أن تأخذ نصيبها الفعلي من الإهتمام وهناك مثل صيني يقول? إذا أردت أن تحصد لسنة ازرع أرزا وإذا أردت أن تحصد لعشر سنوات ازرع شجرة وإذا أردت أن تحصد لمئات السنوات فازرع مدرسة، وهذا هو المفروض فمجرد خطأ في سنة دراسية قد يعرقل مسيرة سنوات وللأسف نحن لم نعد نفهم الدور الريادي للمدرسة".
ويضيف السيد بوليلة عمر إطار جامعي وأمين مالي للفدرالية" لابد من الإعتراف أن الحالة التي وصلت إليها المدرسة الجزائرية هي مسؤولية الجميع والكل شارك في تدهورها بدء من الأولياء والمؤطرين والمسؤولين، لهذا علينا الإسراع بتقديم الحلول والإجراءات اللازمة في الوقت المناسب لتفادي الأخطاء المرتكبة حاليا حتى لانقع في ورطة عاقبتها وخيمة علينا، وعلى أبنائنا لهذا فعلى الجميع وهذا نداء عام لكل المتدخلين في الميدان لكي يعوا دورهم المسؤول وبأهمية المدرسة وأهمية التربية والتعليم فلايمكن أن نبني حضارةً ووطنا ومجتمعا من دون بناء مدرسة.