Admin Admin
رقم العضوية : 1 عدد المساهمات : 785 تاريخ التسجيل : 09/04/2010 الموقع : https://bahbah.ahlamontada.com
| موضوع: التدريس بالوضعيات المشكلات الإثنين أبريل 26, 2010 1:12 am | |
| [center]
التدريس بالوضعيات (المشكلات)
لا أحد يجادل في كون تأهيلالموارد البشرية هو أساس كل تنمية حقيقية، فرأس المال البشري هو رأس المال الحقيقيالذي يجب تثميره، ولا مراء في أن ذلك لا يمكن حصوله إلا بإقامة منظومة تربوية يتصفتعليمها بالجودة والفعالية. وهو الشعار الذي رفعه الإصلاح التربوي ببلادنا، وعلىضوء ذلك تم تبني بيداغوجيا الكفايات كبيداغوجيا إطار، على اعتبار أنها بيداغوجياتتمركز حول التدريس بالوضعيات المشكلات، التي غدت مدخلا لتعلم متمحور حول التلميذ،جاعلة إياه في قلب العملية التعليمية، ومنطلقة في تعليمه من مشاكله اليومية وحاجاتمحيطه،الشيء الذي يجعله فردا مندمجا و متكيفا مع محيطه السوسيوثقافي، وفاعلا في حلمشاكل مجتمعه. والفلسفة بدورها معنية بهذه الثورة البيداغوجية، وباعتماد الوضعياتالمشكلات في مقاربة دروسها. ومن اجل الوقوف على ذلك، يأتي هذا البحث المعنون ب "تدريس الفلسفة بالوضعيات المشكلات"، والذي خصصنا شقه النظري للتأكيد على شموليةالمقاربة بالكفايات، لكونها تتأسس على الوضعيات المشكلات، الشيء الذي يجعلها تتقاطعمع عدد من البيداغوجيات الأخرى. وأكدنا كذلك على مركزية الوضعية- المشكلة فيالتدريس بالكفايات ،إذ لا يمكن أن نتحدث عن الكفاية بدون الوضعيات المشكلات التيتبني هذه الكفاية وتقومها. كما خصصنا جزءا مهما من هذا الفصل للتعريف بالوضعياتوأنوعها وكذا خصائصها وتقديم نموذج نظري للاشتغال بالوضعية المشكلة. ومن خلالالمحور الثاني؛ وهو الشق التطبيقي في هذا البحث، أكدنا على كون التدريسبالوضعيات-المشكلات لا يمكن أن يخل بخصائص الدرس الفلسفي، كما عمدنا إلى الوقوف علىواقع تدريس الفلسفة بالوضعيات- المشكلات بالثانوية المغربية، من خلال مقاربةميدانية لهذا الواقع. وكذا القيام بتحليل للوضعيات المشكلات المقدمة بالكتابالمدرسي"في رحاب الفلسفة" للسنة الأولى من سلك البكالوريا، مسلك الآداب والعلومالإنسانية. وارتأينا في الأخير تقديم نموذجين لجذاذتين تطبيقيتين لوضعيتين مشكلتينيمكن اعتبارهما زبدة ما قدمناه حول التدريس بالوضعيات المشكلات.
- دواعياختيار الموضوع وأهميته: اعتمد الإصلاح الأخير للمنظومة التربوية ببلادنا، الذيشرع في تطبيقه منذ موسم 2002، المقاربة بالكفايات كبيداغوجيا إطار للعمليةالتربوية. غير أنه من الملحوظ أن هذه المقاربة ظلت، على مستوى الأجرأة حبيسةالرفوف، ولم تلج بعد مدرستنا العمومية بالشكل المطلوب خاصة فيما يتعلق بتدريس مادةالفلسفة، وذلك أن تدريس هذه الأخيرة باعتماد المقاربة بالكفايات، يتأرجح بين أساتذةلا يعيرونها اهتماما متذرعين بخصوصية الدرس الفلسفي، وبين آخرين وإن حاولوا أجرأتهاعلى مستوى الواقع، فإن مقاربتهم تنم عن سوء تطبيق أو عن سوء فهم، ومن هنا كاناختيار موضوع هذا البحث " تدريس الفلسفة بالوضعيات – المشكلات"، وجعله ذا طابع عمليإجرائي يكشف كل غموض وكل لبس عن كيفية تدبير الممارسة الديداكتيكية في تدريسالفلسفة باعتماد بيداغوجيا الكفايات، أو بالأحرى بناء الدرس الفلسفي باعتمادالوضعيات- المشكلات. - تحديد إشكالية البحث: إن الحديث عن تدريس الفلسفةبالوضعيات- المشكلات يبدو للوهلة الأولى حديثا مجانبا للصواب، أو حديثا مبالغا فيهذلك أن الفلسفة وصفت بكونها المعرفة التي تستعصي و تنفلت من كل محاولة للتأطيرمنهجيا وديداكتيكيا. غير أن الانخراط في المقاربة بالكفايات. يفرض علينا اعتمادالوضعيات- المشكلات في مقاربة الدرس الفلسفي وبالتالي البحث عن الصيغة الملائمةلذلك، وهي خطوة تضعنا أمام أسئلة تؤطر إشكال البحث: - هل اعتماد الوضعيات- المشكلات في تدريس الفلسفة تعد الصيغة الأمثل لبناء الدرس الفلسفي ضمن النموذجالكفائي؟ - هل هذه الوضعيات مستوعبة وممارسة بالشكل المطلوب من طرف أساتذة مادةالفلسفة؟ - هل الكتب المقررة في مادة الفلسفة تراعي هذا التجديد على المستوىالديداكتيكي؟ ومن ثمة تقدم الوضعيات الملائمة لمقاربة الدرس الفلسفي؟ - هلتدريس الفلسفة بالوضعيات –المشكلات كفيل ببناء الكفايات المسطرة في منهاج مادةالفلسفة؟ أم أنها تبقى جزءا من الصورة العامة لتدريس الفلسفة؟الفصلالأولالمقاربة بالكفايات والوضعية -المشكلة
I-المحور الأول: نحو بيداغوجيا شمولية: لقد أضحت بيداغوجياالكفايات العمود الفقري لجل المنظومات التربوية في العالم، وكذا ببلادنا، سواء منحيث التنظير لها أو من حيث المحاولات الجادة لأجرأتها، وأضحى معها التدريسبالوضعيات- المشكلات مطلبا أساسيا، خاصة وأن هذه الوضعيات تشكل حجر الزاوية فيبيداغوجيا الكفايات، وهي ميزة جعلت المقاربة بالكفايات مقاربة غنية وشمولية تتقاطعمع جل البيداغوجيات الحديثة . 1-بيداغوجيا الكفايات وبيداغوجياالأهداف. كثيرا ما توصف بيداغوجيا الكفايات على أنها تجاوز لبيداغوجيا الأهداف،غير أنه وصف مجانب للصواب إذ يصر الكثير من الباحثين المهتمين بالحقل التربوي علىأن الكفايات هي الجيل الثاني من الأهداف . كما أن النموذج الكفائي بالولاياتالمتحدة الأمريكية تبدو فيه الكفاية أقرب إلى الهدف السلوكي حيث يعرف اند رسون Anderson الكفاية بأنها "المعرفة والمهارة أو الموقف حيث يمكن التفوق داخل وضعيةخاصة" . كما أن كزافي روجيرز، في محاولة أجرأته للكفايات،اقترح نموذجا ينطلق منتقديم الأهداف قبل أن يتم إدماج هذه الأهداف من خلال وضعيات، وفي هذا الإطار يقترحروجيرز ما يسميه الهدف الإدماجي النهائي والهدف الإدماجي الوسيط . بل إن هناك منيذهب إلى أن ما قدمته بيداغوجيا الكفايات من جديد هو ما نسميه" بإدماج التعلمات" وإعطائها معنا ضمن وضعيات دالة. هذه التعلمات التي كانت حسب المقاربة بالأهدافمجزئة وخالية من المعنى وغريبة عن محيطها. لهذا فهو انتقال، كما يصفه المتخصصون ،من التدريس بالمحتويات إلى التدريس بالوضعيات. هذا الانتقال الذي سيعزز مجموعة منالتصورات والأساليب والتقنيات نذكر من بينها: -عدم اعتبار المعارف هدفا في حدذاتها. - جعل الوضعيات منطلقا لكل نشاط تعليمي. - إشراك المتعلمين في تحملمسؤولية تعلمهم. - إعطاء هامش من حرية المبادرة للمدرس وللمتعلمين. - التقريببين المواد الدراسية. فالمقاربة بالكفايات لا تقطع مع الممارسات البيداغوجيةالمتمركزة حول الأهداف وإنما تطورها لتضفي عليها النجاعة المطلوبة وتجعل عمليةالتعلم أكثر دلالة باعتمادها مبدأ الإدماج. فهي على هذا الأساس، تطور قدرة التلميذعلى توظيف معارفه ومهاراته لمواجهة مشكلات وإنجاز مهام بإدراجها ضمن وضعيات إدماجيةتراعي شمولية الأهداف وأهمية المعارف المكتسبة . وهذا ما يذهب إليه محمد الدريج منخلال تأكيده على أن مفهوم الكفاية يتأرجح بشكل عام بين الفهم السلوكي BEHAVIORISTEوالفهم الذهني المعرفي COGNITIVISTE 2 -الكفايات والبنائية: ترتكز المقاربةبالكفايات على مجموعة من الدعائم النظرية التي أحدثت منعطفا هاما في طبيعة النظرةإلى المتعلم وفي علاقته بمحيطه، حيث اعتبرته كائنا فاعلا بقدراته وشخصيته الإيجابيةومؤثرا في محيطه. ومن أهم الروافد التي أغنت المقاربة بالكفايات بنائية بياجيوسوسيو بنائية فيكوتسكي. ففليب جونايير يؤكد على أن المعارف تبنى من قبل منيتعلمها، ثم يحتفظ بها طالما أنها قابلة للاستبقاء بالنسبة إليه . فالبنائية تقومعلى مناقضة النقل والشحن المعرفي، فالمعارف تبنى من قبل المتعلم مما يجعله كافيا فيوضعيات مختلفة . إن بيداغوجية الكفايات هي انتقال بالأساس من نموذج يتأسس علىتبليغ المعارف إلى نموذج يقوم فيه المتعلم ببناء معرفته من خلال وضعيات يوظف فيهاإمكاناته. إنها بيداغوجية تعتمد المقاربة البنائية كما يتصورها جان بياجي ، يقولفيليب جونايير "إن المقاربة البنائية تأخذ بعين الاعتبار البعد التفاعلي وفق المعنىالبياجسياني، أي إقامة تفاعل بين المعارف القديمة والمواضيع الجديدة داخل الوضعية " فنحن هنا أمام مفهوم التفاعل كما تراه البنائية . فالتفاعل بين المواد في وضعيةمعينة يؤدي إلى بناء معارف جديدة تعتبر هي الحل للمشكل المقترح .وعليه فإن التصورالجديد للتعلم ينبني على الانتقال من منطق التلقين الكمي للمعارف إلى منطق التركيزعلى كيفية اكتساب المعارف أي بناء الكفايات. 3- الكفايات والبيداغوجيةالمعرفية. تتحدد علاقة وطيدة بين بيداغوجية الكفايات والبيداغوجية المعرفية،فالمقاربة بالكفايات تؤمن بأن الإنجازات المادية الملموسة للتلميذ لا تعبر فقط عنتحقق الكفايات بل تعبر كذلك على نمو بنيات ذهنية كامنة غير ملاحظة. وهذا ما يصفهفليب جونايير بتعبيره بأن عالم النفس يرى في الكفايات تلك البنيات الذهنية،الكامنة، وفي الإنجاز فعلا محققا من قبل الذات الفاعلة في وضعية . وبهذا المعنى يصفالمعرفيون الكفاية بأنها استراتيجيه معرفية وميتا معرفية . فالذات النشيطة تبنيالمعارف وتراكمها، تقيم العلاقة بين المعارف، تحلل، تعيد النظر، تدمج، تصحح، تبدع،تراقب ذاتها واستراتيجياتها المعرفية ومواردها من أجل الحل ( حل مشكلة) والإنجاز فيالوضعية المحددة. ويقر المعرفيون بأن التعليم- تعلم هو معالجة المعلومة، كما يؤكدونبأن الذات المتعلمة ذات نشيطة تبني مكتسباتها وتدمجها وتعيد استعمال المعارف، علمابأن هذه المعارف تبنى تدريجيا، داخل وضعية معينة، يكون التلميذ فيها مجبرا علىالانتقاء من بين معلومات كثيرة قدمت إليه، ما هو صالح لمعالجة الوضعيةالمطروحة. 4 - الكفايات وبيداغوجيا المشروع. تجعلنا بيداغوجيا الكفايات أكثرتوجها نحو بيداغوجيا المشروع، حيث تعد المشاريع التربوية المجال الأكثر ملاءمةللوضعيات التعليمية فهي تجعل التلميذ في وضعيات شبه واقعية، كما أن المشروع التربويكفيل بتعبئة المعارف والمهارات المكتسبة، إضافة إلى ذلك فالمشروع يكرس الدور المنوطبالتلميذ في بيداغوجيا الكفايات، وهو دور يتصف بالتورط والمشاركة في مجهود جماعيلإنجاز مشروع معين . فالمقاربة بالكفايات لا تسمح للتلميذ بالانزواء، إذ تجعله عنطريق الانخراط في مشاريع تربوية يعالج مشاكل معقدة، كالتحلي بروح المسؤولية والقدرةعلى إثبات الذات والمواجهة، دفاعا عن مشروعه. وهو أمر يجعل من المقاربة بالكفاياتمقاربة ذات امتدادات خارج محيط المدرسة. إن بيداغوجيا الكفايات بيداغوجيا منفتحةعلى كل النظريات التربوية وكذا على محيطها الاجتماعي والاقتصادي، فهي تقدم مطلباأساسيا للمدرسة ألا وهو الانفتاح على المحيط. كما أنها تجعل من التلميذ فردا قادراعلى الاندماج في مجتمعه. فبهذا المعنى يمكن القول أنه لا يمكن حصر المقاربةبالكفايات في إطار نظري واحد للتعلم. فلقد أخذت من هذه وتلك، واستفادت من المفاهيموالنظريات المتعددة للتعلم، وكذا نتائج الأبحاث في مجال علم النفس المعرفي، والعلومالأخرى التي تشكل علوم التربية، ومتطلبات التربية والتكوين التي يفرضهاالواقع. إننا إذن أمام بيداغوجيا شاملة تستحضر عددا من المقاربات ونظرياتالتعلم،وقد إستمدت هذه البيداغوجية شموليتها ،من إنغراسها بشكل كبير داخل الوضعياتحيث أضحت هذه الأخيرة محور التعلمات. فالوضعيات توجد في قلب بيداغوجيا الكفايات. وهذا ما ستكشف عنه الصفحات الآتية من البحث.
II-المحور الثاني: الوضعيةالمشكلة ضمن النموذج الكفائي: 1 - مركزية الوضعية المشكلة في المقاربةبالكفايات: يرى فيليب بيرنو أن النجاح في المدرسة ليس غاية في ذاته ،لأن ما يهمهو أن يستطيع التلميذ حشد مكتسباته خارج المدرسة، في وضعيات معقدة ومفاجئة، ففينظره أن الشباب، في أحسن الأحوال، يتخرجون من المدرسة "عالمين" أصحاب شواهد لاأصحاب كفايات بالضرورة. أي أنهم لم يتعلموا كيف يعبئوا معارفهم خارج وضعياتالامتحان. لذلك أضحى مفهوم الوضعية مفهوما اساسيا في المقاربة بالكفايات، ويلاحظذلك انطلاقا من التعاريف التي أعطيت لمفهوم الكفاية ،حيث يرد مفهوم الوضعية في جلهذه التعاريف باعتباره مفهوما جوهريا في هذه المقاربة ، والتي نورد منها التعريفالذي وضعه باحثو معهد *C.E.P.E.Cالبلجيكي والذي يعرف الكفاية على أنها " نسق منالمعارف المفاهيمية والإجرائية التي تنتظم عن طريق خطاطات عملية وتسمح وسط عائلةوضعيات بتحديد المهام- المشكلات وحلها بإتقان". وبتعريف كزافي روجيرزxavier roegiers فالكفاية هي " إمكانية التعبئة، بكيفية مستبطنة، لمجموعة مدمجة من الموادبهدف حل فئة من الوضعيات- المشكلات". ويعرفها Ginette Bernard برنار جينيت علىأنها "مجموع مندمج ووظيفي من المعارف والمهارات و قدرات حسن التصرف الاجتماعي savoir être وكيفية التخطيط للمستقبل Savoir Devenir والذي يمكن عند مواجهة فئة منالوضعيات من التكيف وحل المشكلات وتحقيق المشاريع". أما بييرديشي فيعرف الكفايةبأنها " هدف- مرمى متمركز حول البلورة الذاتية لقدرة التلميذ على الحل الجيدللمشاكل المرتبطة بمجموعة من الوضعيات باعتماد معارف مفاهيمية ومنهجية مندمجةوملائمة." . إن قراءة بسيطة لهذه التعاريف تجعلنا نستشف أن التدريس بالوضعياتالمشكلات هو جوهر المقاربة بالكفايات، لأن الوضعيات هي التي تسمح بعملية بناءالكفاية لدى التلميذ، ويشير فيليب جونايير إلى هذه العلاقة حين يقول: " إن المقاربةبالكفايات تعد مغروسة بشكل كبير داخل وضعيات؛على اعتبار أن هذه الأخيرة أضحت تشكلنقطة انطلاق أنشطة التعلم،بحيث أن الوضعيات توجد في قلب المقاربة بالكفايات" . لذلكفالقاسم المشترك بين هذه التعاريف للكفاية هو تأكيدها على مفهوم الوضعية كمفهوممركزي ضمن الكفاية. ذلك أن الوضعيات من أهم العناصر التي ترتكز عليها الكفاية ، إذلا يمكن تصور هذه الأخيرة بدون وضعيات مشكلات. وهذا ما يؤكد عليه De Landshére دولانشير، إذ يرى بأنه إذا كان مصطلح الكفاية يرتبط بإنجاز مهمة معطاة بطريقةمرضية، فإن القيام بهذه المهمة لا يتم إلا داخل وضعية، لدى تشكل الوضعية مكوناأساسيا ضمن مفهوم الكفاية. فالوضعية هي منبع أو مصدر تنشيط الكفاية وتفعيلها عبرالإنجاز، كما أنها أيضا معيار يكشف عن تفاوتات ذات طبيعة مختلفة بين ما توقعهالباحث أو البيداغوجي ( الكفاية المستهدفة) وبين ما تحققه الذات ( الإنجاز). وبهذاالمعنى فالوضعية " منبع ومعيار " الكفاية وبسب ذلك أصبحت تحتل مكانة راجحة فيالتدريس بالكفايات. ويرى منظرو هذه المقاربة بأن الوضعية- المشكلة هي التي تبنيالكفاية الفعلية لا الكفاية الافتراضية أو المتوقعة، وفيها يتم تقويم الكفايةوتعديلها . إن التعليم المتمركز على المقاربة بالكفايات هو بالضرورة تعليم ينبنيعلى التدريس بواسطة الوضعيات -المشكلات لدى لابد من الوقوف على الوضعية-المشكلة،على مكوناتها وخصائصها ووظائفها، وكذا على آليات وميكانيزمات التدريسبالوضعيات. 2- التدريس بالوضعيات- المشكلات: 1 .2- تعريف الوضعية- المشكلة. إذا تفحصنا المعاجم العربية كلسان العرب والمعجم الوسيط. فإننا لا نعثرعلى كلمة " وضعية"، ولكن نجد كلمة " وضع"، ووضع موضعا ومواضع لدلالة علىالإثبات في المكان.، أما المعاجم الأجنبية فيحضر فيها مصطلح الوضعية بشكل واضحومحدد، ففي معجم روبير تعرف الوضعية بأنها " مجموع العلاقات الملموسة التي توجدفردا أو مجموعة أفراد في لحظة معطاة، ووسط ظروف عليهم أن يعيشوها ويتدبروها".
ويعرف فريق مركز C.E.P.E.C الوضعية بأنها " ليست إلا تقاطع والتقاء ظرفياتمعينة، إذ يمكن القول أن هناك وضعية عندما تضع الفاعل النشيط ضمن شبكة من الأحداث،في معالجة معطيات وتمثلها باتساق،و تطرح الوضعية مشكلا عندما تضع الفاعل في مواجهةمهمة من أجل حلها ". ويعرف معجم روبير المشكل بأنه" مسألة تستوجب الحل" ، كمايوصف بأنه" صعوبة تستدعي حلا". لذا يمكن القول بأن الوضعية- المشكلة بالتعريفالاصطلاحي هي؛ تقاطع لمجموعة من العلاقات الملموسة التي تضع الفرد أمام مشكل أوصعوبة تستدعي حلا. وفي الحقل التربوي فإنه يقصد بالوضعية المشكلة بتعريف معجم Encyclopédique :de l'éducation et de la formation"وضع التلميذ أمام مشكل معقديتطلب حلا. على اعتبار أن المشكل هنا وسيلة للتعلم فحوله تتمركز العدةالديداكتيكية، بحيث يغدو منبعا ووسطا ومؤشرا لبناء التعلمات." بهذا المعنى فإنالوضعية المشكلة تتوخى وضع المتعلم داخل فضاء يساعده على التفكير ويخول له تحليلعناصر الوضعية لمجاوزة المشكلة التي تطرحها هذه الوضعية. فالوضعية المشكلة في مجالالتربية والديداكتيك تعتبر إطارا واقعيا يواجه ضمنه المتعلم مشكلا يشغل من أجلمواجهته معارفه ومفاهيمه، فهي وضعية واقعية و ملموسة. كما أنها التقاء عدد منالعوائق في إطار ظروف وشروط معينة يحاول التلميذ تحديها بقدراته ومهاراته. وبهذاالمعنى يطرح التعلم كمهمة تشكل تحديا معرفيا للمتعلم، وتعد معالجتها دلالة علىكفاءته وأهليته التعليمية والمهنية. وانطلاقا من الوصف ، الذي وضعه عبد الرحيمالهاروشي في كتابه بيداغوجيا الكفاية،للوضعية المشكلة ،و الذي حاول من خلاله تعريفالوضعية المشكلة انطلاقا من خصائصها ومكوناتها،حيث عرفها بأنها " ليست سؤالا جاهزالمشكل و لا نتيجة يراد بلوغها، لأنها وضعية مبنية ومندرجة في سيرورة التعلماتووسيلة للتعلم ومنهجية للتدريس واستراتيجية تقوم على مشاركة التلاميذ في بناءالمعرفة، فما يميزها عن الطرق التعليمية الأخرى كونها ذات صلة بالتكوين الذاتي والإبتعاد قدر الإمكان عن البيداغوجيات التقليدية، ثم تتميز بالدينامية ووضع التلميذفي قلب المشكل وأمام حواجز بغاية تجاوزها، منطلقين من إثارة التساؤل ووصولا إلىزعزعة التمثلات مرورا بصياغة فرضيات تفسيرية.ومايميز الوضعية المشكلة هي الشمولية (السياق والهدف )،تتطلب أكثر من إجراء أو فعل،القابلية للتجزيئ والتعقيد(استحضارمعارف ومهارات متنوعة ،الصراع المعرفي ) ،والوضعية المشكلة ليست غريبة عن التلميذ،وإنما لها معنى لذلك يجب أن تكون سياقية ولها علاقة بمهمة ما". يتضح أن المقاربةبالكفايات تحيلنا على مرجعيات أخرى لبناء المعارف تختلف جوهريا عن التصور التقليديبحيث يصبح هنا التركيز أكثر على الاستراتيجيات و المهارات والقدرات... وليس المعرفةالخام. ويغدو المتعلم ( الكفي) ليس من يتوفر على معارف عديدة وإنما من يستطيع تفعيلمكتسباته ومعارفه. لحل مشكل في وضعية معينة. 2-2- أنواع الوضعيات. بالعودةإلى عدد من الكتابات والأبحاث التربوية التي قاربت الوضعية المشكلة نعثر على تسمياتمتعددة للوضعية المشكلة، وإن كانت في أحيان كثيرة تشيرإلى نفس الوضعية. 1-2-2- وضعيات كزافي روجيرز : * الوضعية الدالة situation « cible » يتحدث كزافيروجيرز Xavier roegier في كتابه " بيداغوجيا الإدماج" " Une pédagogie de l’intégration" عن الوضعية الدالة، وهي بالنسبة إليه الوضعية التي تعكس أو تجسدتحقق الكفاية. إذ أن الحديث عن الكفاية عند روجيرز يتطلب موارد ووضعيات. ويرى أنهعندما نتحدث في بيداغوجيا الكفايات عن وضعيات دالة أو وضعيات استثمارية أو وضعياتإدماجية، فإننا نتحدث عن مراد فات، يميز بها روجيرز الوضعية الدالة عن الوضعيةالديداكتيكية التي لها وظيفة اكتساب تعلمات جديدة ( معارف، معرفة بالأداء، معرفةبالكينونة).ويرى روجيرز أن مصطلح المهمة المعقدة " La tâche complexe مقبول، لكنهلا يفرق بين المهمة التي يكون الغرض منها اكتساب معرفة أدائية " الوضعية المشكلةالديداكتيكية" والمهمة التي تهدف إلى اكتساب كفاية معينة " الوضعية الدالة " .ويذهبروجيرز إلى أن الوضعية الدالة هي " وضعية – مشكلة معقدة" وهي وضعية إدماجية لأنهاتجعل التلميذ يدمج معارفه الدقيقة التي اكتسبها. واستثمارية لأن المتعلم يستثمرمعارفه ومهاراته في حل المشكل الذي تطرحه الوضعية- المشكلة. كما أنها دالة لكونهامماثلة للوضعيات اليومية الواقعية التي يصادفها المتعلم في حياته اليومية. بهذاالمعنى فالوضعية- المشكلة أو الوضعية الدالة عند روجيرز هي التي تطرح مشكلا معقداينتمي لواقع التلميذ و يستوجب أو يستدعي من هذا الأخير استثمار وإدماج تعلماتهالدقيقة لحل هذا المشكل بشكل فردي، بحيث يعتبر هذا الحل دليلا على تحقق الكفاية لدىالتلميذ، وتتميز الوضعية الدالة باعتبارها وضعية للإدماج أو التقويم، أي أنها تقدممن أجل بناء أو تقويم الكفاية. *– الوضعية- المشكلة الديداكتيكية: يتحدثروجيرز عن الوضعية المشكلة الديداكتيكية كوضعية ذات سياق تعليمي تستهدف خلخلةالبنية المعرفية للتلميذ، من أجل بناء التعلمات الجديدة المرتبطة بالكفاية. وتتميزهذه الوضعية بكونها وضعية للاستكشاف تكون في بداية الدرس، وهي ذات وظيفة تحفيزيةعلى التعلم. كما أنها ليست تمرينا بسيطا بل مقاربة لإشكال معين. ومن بين الخصائصالتي يميز بها روجيرز الوضعية- المشكلة الديداكتيكية أنها تنجز أو تحل بشكل جماعيوتعتبر مدخلا للتعلمات الدقيقة، وليست وضعية للإدماج. 2-2-2- الوضعية المسألة والوضعية المشكلة : يعرف ميلود التوري الوضعية المسألة بكونها وضعية أو موقفايتضمن مجموعة من المعطيات الغير منظمة، وسؤالا أو عدة أسئلة تتمحور حول إشكاليةيواجهها المتعلم دون إتباع أية خطة ممنهجة معروفة لإيجاد الحل . ويرى ميلود التوريأن الوضعية المسألة حين ترتبط بسياق الحياة العامة فإن الأمر يتعلق بوضعية واقعيةأي " بوضعية- مشكلة". ويؤكد ميلود التوري على أن الوضعية- المشكلة أهم من الوضعيةالمسألة. كما أن الوضعية المشكلة كما يذهب إلى ذلك فريق بروكسيل هي على عكس الوضعيةالمسألة تتطلب تعلما دقيقا. إضافة إلى ذلك فحل الوضعيات- المشكلات الواقعية هو فيالغالب أمر صعب المنال، لذلك لابد من تقريب الهوة بين الوضعية المسألة والوضعيةالمشكلة. مع افتراض أن كل وضعية-مشكلة قابلة لأن تحول إلى وضعية مسألة، في إطارهاتفعل المعارف كموارد لكفاية حقيقية,وهذا ما يسميه ميلود التوري " بالديدكة" أوبمعنى آخر تحويل الوضعية –المشكلة إلى موضوع للتعلم إلى وضعية- مسألة أي من وضعيةواقعية إلى وضعية ديداكتيكية . 2-2-3- وضعيات بروسو◄الوضعية الديداكتيكية: Situation Didactique يعرف المهتمون الوضعية الديداكتيكية بأنها كل وضعية مخططلها انطلاقا من أهداف وحاجات وتشمل مجموعة من العناصر المتفاعلة: مدرس، متعلم، مادةدراسية، بحيث يؤدي كل واحد دوره في خضم سيرورة التعلم. وبالنسبة لجي بروسوGuy Brousseau فالوضعية الديداكتيكية هي كل وضعية تتمظهر بها بشكل مباشر أو غير مباشرإرادة للتعلم. وبهذا المعنى تبدو الوضعية الديداكتيكية أشمل وأعم حيث أن كلوضعية لا تخلو من إرادة التعلم بشكل مباشر أو غير مباشر . ◄الوضعيةاللاديداكتيكية: Situation non-didactique هي الوضعية التي يواجهها المدرس عندحله لمشكل، الهدف منه ليس تعليم أية معرفة، ويقدم بروسو كمثال على ذلك ،الوضعيةالتي يكون فيها الرياضي في مواجهة مشكل ليس الغرض منه تعليم أي مفهوم رياضي. وهيوضعية قد يواجهها الأستاذ خارج إطار التدريس.ويمكن القول أنها وضعية تنتفي فيهاقصديه التعلم والتعليم. ◄-الوضعية ضد الديداكتيكية : Situation Adidactique يرى بروسو أنه يمكن الحديث عن الوضعية ضد الديداكتيكية عندما يتملك التلميذالوضعية المقترحة من طرف الأستاذ، ليس فقط بأداء عمله كتلميذ، ولكن ( كرياضي) منشغلبحل المشكل المقترح، فالمشكل هنا، يصبح مشكل التلميذ في صيرورة تعلم يشارك فيهاببناء مكتسباته بشكل فعال . ويمكن القول أن الوضعية ضد الديداكتيكية هي التيتمثل ما يسميه كزافي روجيرز بالوضعية الدالة أو الوضعية المشكلة المعقدة. لدى كانمن الأفضل أن نسميها بالوضعية " فوق الديداكتيكية" فهي وإن كانت تخرج التلميذ منإطاره المدرسي بشكل تجعله ينغمس في حلها متناسيا كونه تلميذا .إلا أن إرادة التعلملا تنتفي بشكل مطلق يصح معه أن ننعت هذه الوضعية بضد الديداكتيكية. 3-2- عائلةالوضعيات: تعرف عائلة الوضعيات بكونها" مجموعة من الوضعيات لها مستوى واحد منالصعوبة وتترجم نفس الكفاية" ويرى باحثوا معهد C.E.P.E.C أن الكفاية تكون معرفةومحددة بعائلة من الوضعيات، بحيث أن كل كفاية تلائم عائلة من الوضعيات . ويعرفكزافي روجيرز عائلة الوضعيات بأنها" مجموعة من الوضعيات الدالة التي من خلالها تتمبلورة كفاية معينة، وهي وضعيات مماثلة يمكن تعويض بعضها ببعض لأنها تخدم نفسالكفاية" . فعائلة الوضعيات تبني نفس الكفاية أي أنها مرادفة لبعضها البعض لكنهاليست متشابهة. إذ لا يمكن الحديث عن إعادة الإنتاج داخل عائلة الوضعيات. وبالنسبةلروجيرز لا يمكن وصف التلميذ بأنه يمتلك كفاية ما إلا عندما يكون قادرا على مواجهةأية وضعية- مشكلة مرتبطة بهذه الكفاية. ويقدم روجيرز كمثال على ذلك كفاية " إدارةحوار ها تفي" فعائلة الوضعيات هي مجموع الحوارات التي يقوم بها التلميذ ( حوار معخالته التي يود قضاء العطلة الصيفية عندها، حوار مع صديقه يود معرفة آخر أخباره،حوار مواساة مع صديقته المريضة...) ويذهب ميلود التوري إلى أن الكفاية لا تكرسللإجابة عن وضعية وحيدة بل عن مجموعة من الوضعيات. فالكفاية لا يعتد بها للإضطلاعبمهمة وحيدة بل للقيام بعدة مهام، وبالتالي فعشيرة الوضعيات هي" مجموع الوضعياتالمجاب عنها بكفاية واحدة" ، ويمثل ميلود التوري لذلك بكفاية مقتبسة من مفارشالكفايات " Socle de compétences" البلجيكية، وهي "الاستجابة لإرسالية"، فالتمكن منهذه الكفاية لا يقتضي الاستجابة لإرسالية وحيدة تكون دائما هي نفسها، بل يتطلبالاستجابة لكل الإرساليات التي تقدم في وضعيات مرادفة لبعضها البعض لكنها ليستمتطابقة. وبهذا المعنى يمكن التأكيد على أن كل كفاية يتم بناؤها وتقويمها انطلاقامن مجموعة من الوضعيات- المشكلات التي لها نفس درجة الصعوبة والتي تشكل عائلةالوضعيات الخاصة بهذه الكفاية. 4-2- مكونات الوضعية- المشكلة: يجمع أغلبالمهتمين بالحقل التربوي على أن مكونات الوضعية المشكلة تتحدد في المكونات الثلاثالتي وضعها دوكتيل Deketele وهي الدعامة. المهمة والتعليمات. 1-الدعامة: يصطلحعليها كذلك بالسند أو الحامل وتتضمن العناصر المادية التي تقدم للتلميذ؛ فيلم، رسممباني، وثيقة تاريخية أو إدارية ،نص...كما تشمل الدعامة السياق أي المجال الذيتمارس فيه الكفاية، فقد يكون السياق عائليا، أو سوسيوثقافيا أو تاريخيا.. ..وتتضمنالدعامة كذلك المعلومات التي سيستثمرها المتعلم أثناء الإنجاز وقد تشمل معلوماتمفيدة أو غير مفيدة، أو ما يصطلح عليها بالمعلومات المشوشة. 2- المهمة: يقصد بهاالمطلوب من المتعلم إنجازه ويستحسن أن تتضمن المهمة أسئلة مفتوحة تتيح للتلميذ فرصةإشباع حاجاته الخاصة، كالتعبير عن الرأي واتخاذ المبادرة (المعرفة بالكينونة)،ويعتبر مفهوم المهمة مفهوما مركزيا في التعلم بالوضعيات المشكلات لحد جعل روجيرزيتحدث عن المهمة المعقدة كمرادف للوضعية المشكلة. 3- التعليمات: هي مجموعالتوجيهات التي تقدم بشكل صريح للمتعلم، قصد مساعدته على أداء مهمته . مثلا: استعمال معجم معين – عدد معين من الأسطر- توظيف الإستشهادات .....وغالبا ما تحددالتعليمات ما نسميه معايير الإتقان في الكفاية. 5-2-وظائف الوضعية- المشكلة: في كثير من الأحيان يتم الخلط بين خصائص الوضعية – المشكلة و وظائفهالكن ما يمكن الجزم به أنه للوضعية- المشكلة وظيفتان وظيفة الإدماج ووظيفة التقويموذلك ما يقر به صراحة كزافي روجيرز حينما يؤكد بأن الوضعيات-المشكلات المعقدة أوالوضعيات الدالة تقدم لبناء الكفاية ( إدماج التعليمات) أو لتقويم الكفاية . vوظيفة الإدماج: ارتكزت المقاربة بالكفايات في نشأتها، خاصة في نهاية العقدالثامن من القرن الماضي، على أعمال دوكتيل DEKETELE، تحت اسم الأهداف النهائيةالاندماجية Les objectifs terminaux d’intégration، والتي تطورت على يد روجيرز تحتاسم بيداغوجيا الإدماج وهو الاسم الذي تنعت به بيداغوجيا الكفايات. كما أن الكثيرمنالمهتمين بالحقل التربوي يؤكدون على أن الجديد الذي قدمته المقاربة بالكفايات هوإدماج التعلمات في إطار وضعيات، وهذا ما جعل روجيرز يتحدث عن الهدف الاندماجيالنهائي ،والهدف الإندماجي الوسيط . فالاندماج أو إدماج التعلمات هو حجر الزاوية فيبناء الكفاية لدى المتعلم، وهذا ما يؤكده لوبورتيف Le bortef، حين يقول:" بأن[b][color=black]الكفاية ليست حالة أو معرفة متملكة، فامتلاك المعارف والقدرات لا يعني [ | |
|